سورة الأنفال - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


قوله تعالى: {أولئك هم المؤمنون حقاً} قال الزجاج: {حقاً} منصوب بمعنى دلت عليه الجملة، والجملة: {أولئك هم المؤمنون} فالمعنى: أحَقَّ ذلك حقاً. وقال مقاتل: المعنى: أولئك هم المؤمنون لا شك في إيمانهم كشكِّ المنافقين.
قوله تعالى: {لهم درجات عند ربهم} قال عطاء: درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم، والرزق الكريم: ما أُعدَّ لهم فيها.


قوله تعالى: {كما أخرجك ربك} في متعلَّق هذه الكاف خمسة أقوال.
أحدها: أنها متعلقة بالأنفال. ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال. أحدها: أن تأويله: امض لأمر الله في الغنائم وإن كرهوا، كما مضيت في خروجك من بيتك وهم كارهون، قاله الفراء. والثاني: أن الانفال لله والرسول صلى الله عليه وسلم بالحق الواجب، كما أخرجك ربك بالحق، وإن كرهوا ذلك، قاله الزجاج. والثالث: أن المعنى: يسألوك عن الأنفال مجادلة، كما جادلوك في خروجك، حكاه جماعة من المفسرين.
والثاني: أنها متعلقة بقوله: {فاتقوا الله وأصلحوا}، والمعنى: إن التقوى والاصلاح خير لكم، كما كان إخراج الله نبيه محمداً خيراً لكم وإن كرهه بعضكم، هذا قول عكرمة.
والثالث: أنها متعلقة بقوله: {يجادلونك} فالمعنى: مجادلتهم إياك في الغنائم كاخراج الله إياك إلى بدر وهم كارهون، قاله الكسائي.
والرابع: أنها متعلقة بقوله: {أولئك هم المؤمنون} والمعنى: وهم المؤمنون حقاً كما أخرجك ربك من بيتك بالحق، ذكره بعض ناقلي التفسير.
والخامس: أن {كما} في موضع قَسَم، معناها: والذي أخرجك من بيتك، قاله أبو عبيدة، واحتج بأن {ما} في موضع الذي ومنه قوله: {وما خلقَ الذكرَ والأنثى} [الليل: 3] قال ابن الأنباري: وفي هذا القول بُعْد، لأن الكاف ليست من حروف الاقسام. وفي هذا الخروج قولان:
أحدهما: أنه خروجه إلى بدر، وكره ذلك طائفة من أصحابه، لأنهم علموا أنهم لا يظفرون بالغنيمة إلا بالقتال.
والثاني: أنه خروجه من مكة إلى المدينة للهجرة.
وفي معنى قوله: {بالحق} قولان:
أحدهما: أنك خرجت ومعك الحق.
والثاني: أنك خرجت بالحق الذي وجب عليك.
وفي قوله: {وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون} قولان:
أحدهما: كارهون خروجك.
والثاني: كارهون صرف الغنيمة عنهم، وهذه كراهة الطبع لمشقة السفر والقتال، وليست كراهةً لأمر الله تعالى.
قوله تعالى: {يجادلونك في الحق} يعني: في القتال يوم بدر، لأنهم خرجوا بغير عُدَّة، فقالوا: هلاَّ أخبرتنا بالقتال لنأخذ العُدَّة، فجادلوه طلبا للرخصة في ترك القتال. وفي قوله: {بعد ما تبين} ثلاثة أقوال.
أحدها: تبيَّن لهم فرضُه. والثاني: تبيَّن لهم صوابه. والثالث: تبيَّن لهم أنك لا تفعل إلا ما أُمِرتَ به، وفي المجادلين قولان:
أحدهما: أنهم طائفة من المسلمين، قاله ابن عباس، والجمهور.
والثاني: أنهم المشركون، قاله ابن زيد. فعلى هذا، يكون جدالهم في الحق الذي هو التوحيد، لا في القتال. فعلى الأول، يكون معنى قوله: {كأنما يساقون إلى الموت} أي: في لقاء العدو {وهم ينظرون}، لأن أشد حال من يساق إلى الموت أن يكون ناظراً إليه، وعالماً به. وعلى قول ابن زيد: كأنما يساقون إلى الموت حين يُدعَوْن إلى الإسلام لكراهتهم إياه.


قوله تعالى: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين} قال أهل التفسير: أقبل أبو سفيان من الشام في عير لقريش، حتى إذا دنا من بدر، نزل جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فخرج في جماعة من أصحابه يريدهم، فبلغهم ذلك فبعثوا عمرو ابن ضمضم الغفاري إلى مكة مستغيثاً، فخرجت قريش للمنع عنها، ولحق أبو سفيان بساحل البحر، ففات رسولَ الله، ونزل جبريل بهذه الآية: {وإذ يعدكم الله} والمعنى: اذكروا إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين. والطائفتان: أبو سفيان وما معه من المال، وأبو جهل ومن معه من قريش؛ فلما سبق أبو سفيان بما معه، كتب إلى قريش: إن كنتم خرجتم لتُحرِزوا ركائبكم، فقد أحرزتُها لكم. فقال أبو جهل: والله لا نرجع. وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد القوم، فكره أصحابه ذلك وودُّوا أن لو نالوا الطائفة التي فيها الغنيمة دون القتال؛ فذلك قوله: {وتَوَدُّونَ أن غير ذات الشوكة} أي: ذاتِ السلاح. يقال: فلان شاكي السلاحِ؛ بالتخفيف، وشاكٌّ في السلاح؛ بالتشديد، وشائك. قال أبو عبيدة: ومجاز الشوكة: الحد؛ يقال: ما أشد شوكةَ بني فلان، أي: حَدَّهم. وقال الأخفش: إنما أنَّث {ذات الشوكة} لأنه يعني الطائفة.
قوله تعالى: {ويريد الله أن يحق الحق} في المراد بالحق قولان:
أحدهما: أنه الإسلام، قاله ابن عباس في آخرين.
والثاني: أنه القرآن، والمعنى: يُحِق ما أنزل إليك من القرآن.
قوله تعالى: {بكلماته} أي: بِعداتِه التي سبقت من إعزاز الدين، كقوله: {ليظهره على الدين كله} [التوبة: 33].
قوله تعالى: {ويقطع دابر الكافرين} أي: يجتث أصلهم؛ وقد بَيَّنَّا ذلك في [الأنعام: 45].
قوله تعالى: {ليحق الحق} المعنى: ويريد أن يقطع دابر الكافرين كيما يحق الحق. وفي هذا الحق القولان المتقدمان. فأما الباطل، فهو الشرك؛ والمجرمون هاهنا: المشركون.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8